|
|
|
حوار مع المسرحي محمد عنان من أصيلا محمد عنان للمنعطف
حاولت خلق فوضى عارمة في إطار مظم يوحي بالاستقرار وكأني بكتابة مسرحية تأخذ من الشعر روحه وشاعرية الشاعر ومن المسرح حركته ومن الممتثل عرقه وإحساسه ، ومن اللون والضوء رمزيته وبعده التشكيلي وعن السينوغرافيا عموما كل ما قد يبعث على التفكير والدهشة ببعديها الفلسفي الأكثر عمقا " حاوره حميد ركاطة تبدو أصيلة ذلك اليوم عابسة وباردة شوارع فارغة إلا من ريح تعزف دون توقف لتعلن للزائرين أن المدينة التي تبدو في فصل الصيف بهية جميلة بضة طرية ليست هي نفسها من يقتل فصل الشتاء والمطر روحها المرحة لتنكمش كالقنفذ في السبات العميق ، لا شيء يحدث في هذه المدينة الصغيرة سوى محاولات متفرقة كطلقات بنادق قناصة تكسر هول الصمت وبرودة الصقيع وتحيلهما رذاذا متمردا على عادات أهل المدينة ما يبرز كون الثقافة الموسيمية هي أحد سمات أصيلا بل عنوان لمرحلة بقدر ما شد فيها الخناق على الثقافة من طرف مؤسسة بقدر ما جعل باقي مكونات المدينة تسبح في هوامش محيط صغير تغازل المركز حينا وآخر تهجوه بل يضحى المشجب الذي تعلق عليه كل المعيقات والمثبطات ، فهل الفعل الثقافي عليه دوما الرهان على المؤسسات التي تحتكر الفضاءات والانشطة والبريق بل حتى الهواء الذي تحرم منه المدينة هي التي يجب الاعتماد عليها بالمقارنة مع غليان مبدعين وجمعيات ربما "تستجدي" من اجل إقامة أنشطة إشعاعية بالمدينة ؟ هل النظرة إلى الفعل الثقافي من الأعلى تختلق عن النظر إليها من عمق الوسط ومن طرف المعنيين مباشرة به ونقصد مثقفي المدينة الذين لو وضعناهم في كفة ميزان ما وزنوا في نظر المسؤولين عن الفعل الثقافي شيئا. لكن لماذا هذا التهميش للمحلي ؟و لماذا هذه النظرة "لخروب البلاد" الذي كان من الجدى فتح كل مسارات العالم في وجهه لأنه هو الأبقى وربما الأصلح والأحق بالإلتفاتة والاهتمام ؟ ثم ماذا نخلف وراءنا بعد كل نشاط ونحن نقارن بين موازين المحلية والعالمية لنجد النبذ في كل مكان بين تنكر من سافر على عجل يحمل تذكارا وليالي بيضاء وأحلام معلبة وشيك محترم وبين من ظل غير مسموح له حتى بالدنو من مزار يوصد كل الأبواب حوله بعد رحيل آخر الضيوف ؟فما تقدمه الجمعيات المتواضعة بأصيلة يمس شرائح كبرى من السكان والمثقفين خارج الولاء للعشيرة والقبيلة كما هو الأمر بالنسبة لجمعية المطعم الثقافي الأندلسي ، وجمعية اللقاء المسرحي التي أضحت تنظم ملتقيات مهرجانات دولية في مسرح الطفل وهي أنشطة غالبا ما يكون دعمها غير كاف وتكون باقي نفقتها على كاهل أفراد الجمعية . التي تشتغل في ظروف صعبة جدا للغاية في غياب فضاءات خاصة ومناسبة أمر يدفعنا للتساؤل حول مصير الفضاءات العملاقة ذات الموصفات العالمية التي تتوفر عليها المدينة وتفصد بذلك مكتبة الأمير بندر بن سلطان ، ومركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في الوقت الذي نجد فيه أن مؤسسات عمومية أخرى كدار الشباب التي وصلت حالة من التردي في بنيتها هي في طور إصلاح طويل الأمد ما يجعلها في حكم الواقع في غيبوبة أمر رغم كونه يجعل من الفضاءات المسيجة هي الأجدر باستقبال مبدعي المدينة لكن يبدو أن التسييج أمر واقع لا مفر منه في الوقت الذي تحاول فيه الدولة محاربة التطرف والانحراف والهجرة السرية والمخدرات باعتبار تلك الفضاءات كفيلة بتحصين فلذات أكبادنا وبالتالي منحهم جرعة أمل عوض جرعات زائدة من مخدر قاتل ، نجد أن عملية التسييج التي تدخلها ضمن الملكية الخاصة يتناقض ومبدأ الثقافة للجميع والمساوات الثقافية في نفس المدينة وبين المنتمين للحقل الثقافي في نفس المساحة الجغرافية ؟ فإذا كانت اصيلا تعرف تناقضا على مستوى شهرتها بين موسم صيفي رائع وشتاء يؤرخ للفراغ والبؤس فلماذا لا يتم التفكير في إنشاء مركب ثقافي إسوة بباقي المدن المغربية وفي مستوى تطلعات سكان ومثقفي المدينة أم أن الثقافة تبقى حكرا على جهة بعينها دون اخرى ؟ وهل سنكتفي بما تركه المستعمر الاسباني من بنيات تحتية في الوقت الذي نجد أن مدننا في الشمال بقدر ما تعاني من نقص في البنيات الأساسية تجعل من الفن والثقافة مجرد عبء ثانوي بدون أهمية ؟ يجب الاقرار أن الثقافة اليوم لم تعد شأنا وطنيا بقدر ما هي شان محلي ومسؤولية الأفراد كما الجماعات بل من واجب كل من موقعه المساهة في السير بعجلة الثقافة نحو الأمام فبدون الرهان على المثقف العضوي وعلى المؤسسات الداعمة فإن استمرارية الفعل ثقافي سيبقى محدودا في المجال والزمن بل مآله البوار والخسران لذا نناشد الجميع الالتفات إلى الشأن الثقافي خارج دائرة القبلية والعنصرية والخصوصية لأن الثقافة بقدر ما هي أداة للتحصين والمعرفة هي وسيلة من وسائل التنمية المستدامة والرافعة لها بقوة . أصيلا مدينة الابداع المتعدد ، مدينة أنجبت رموز الثقافة الوطنية " محمد عبد السلام البقالي ، صخر المهيف كريم حوماري ، علي بن سعيد ، زهير الخراز ، المهدي أخريف …. َ…….الزوهرة ..عبد السلام جباري ومحمد عنان ، ….. الذي كان لنا معه هذا الحوار بداية من هو مجمد عنان ؟
ـ أنا محمد عنان ، رائع في انطوائي واختراقي فلابقى كما أنا ، من مواليد أيت عبد الله إقليم تارودانت سنة 1947 بيتي الثاني هو جمعية اللقاء المسرحي بأصيلة
ـ منذ متى وأنت تشتغل بالمسرح ؟
أشتغل بالمسرح منذ سنة 1989 مع جمعية اللقاء المسرحي بجدية الطفل الذي يلهو قمت بإخراج اكثر من مسرحية أهمها : ـ رحلة الماء / نحن هنا أين أنتم / خطر اسمه التلوث / الحلم الجماعي / خطر اسمه التلوث / البحث عن الضوء / اسمي رحمة / عطر الضوء / جزيرة الشعراء ..ومع الكبار اشتغل في إخراج الابجديات
ـ ما هو الخط الذي تتبعه في أعمالك الابداعية ورؤيتك الفنية ؟
الخط الذي أتبعه في جل أعمالي مع الكبار والصغار هو السباحة في محيط التجريب والاحلام ، أحلم كثيرا في النوم وفي اليقظة وعلى خشبة المسرح كذلك ، البعض يرى سندريلا في أحلامه والبعض الآخر لا يرى سوى حذاء سندريلا ..ليس الفنان من المنظور البشلاري "ذلك الذي يلاحظ جيدا وإنما الحالم جيدا " ، لأن الحلم يجهل مقولاتي الزمان والمكان، فالمبدع يشبه العصفور في غريزته لهذا نجده دائما يرفض الأقفاص التي تسلبه حريته وتخرجه من لذة التحليق في فضاء أحلامه . في عالم الرياضيات يقولون أن الخطان المتوازيان لا يلتقيان أبدا ولكن في المسرح سيلتقيان في أبعد نقطة اسمها الحلم "
ـ تعتبر مسرحية " ابجدية الاحتراق " من أكبر الأعمال المسرحية التي اشتغلتم عليها ولا زلتم تقدمون عروضها في نسخ منقحة هل بالإمكان أن تحدثونا عن هذه الملحمة ولو باقتضاب ؟
من يشاهد العروض المقدمة حلال السنوات الماضية أو من قرأ النص الذي أعددته من خلال الاشتغال على أكثر من خمسين ديوانا شعريا ومئات القصائد المنشورة في الملاحق الثقافية سيشعر أنه بني على ثلاث محددات رئيسية منها : الحكاية / فبالرغم أنها في الظاهر غائبة بمفهومها الكلاسيكي بشخوصها وزمانها وحبكتها فإننا نجد ألف حكاية وحكاية متواجدة بروح الشعر تحت إمرة سيدة الحكي شهرزاد لتولد حكاية بعبق الانسانية وعرق الانسان فالبناء الدرامي للعمل يجعل للشاعر حكاية ، وللموت حكاية ، وللكلمة حكاية ، وللقمع حكاية ،وللروح حكاية ،بل حتى الأكسوسوار غدت له حكاية وأكبر تجل لها لذلك هذا الكرسي الشخصية / الأكسوسوار الذي نجد تارة رمزا للتعذيب وأخرى منبرا للعدالة بل وحتى وسيلة للسفر في الزمان والمكان وزورق للإبحار.
ـ بالإضافة إلى الحكاية تبرز نظرتكم الاخراجية وإعدادكم الدرامي ، كيف تحولون عالما يعج بالمتناقضات إلى جنة حالمة مليئة بالأسئلة الملفوفة في تجاعيد الحكاية ؟
بخصوص نظرتي الاخراجية وإعدادي الدرامي حاولت خلق فوضى عارمة في إطار مظم يوحي بالاستقرار وكأني بكتابة مسرحية تأخذ من الشعر روحه وشاعرية الشاعر ومن المسرح حركته ومن الممتثل عرقه وإحساسه ، ومن اللون والضوء رمزيته وبعده التشكيلي وعن السينوغرافيا عموما كل ما قد يبعث على التفكير والدهشة ببعديها الفلسفي الأكثر عمقا
ـ الاحتراق وأبجدياته يدفعنا للحديث عن سحر الكلمة المحفوف بالموت ، عن البحث عن خلود ضمن الاستعارة بمعنى كيف تحولون هذا الاحتراق من مدينة الشعراء المتكلسة في رحم القصائد إلى مملكة خالدة في رحم الملحمة فنيا؟
الموت يا صاحبي والاحتراق والنهاية و الصراع ..كل هذه الكلمات وغيرها كسم في الشكولاتة ، فالاحتراق تحول لحالة ميلاد النور ، والطاقة والدفء ، والغد المشرق ، وحالة الكتابة أحيانا من صور للفناء والموت والقبر هي في الأصل مشعة بالأمل بالحنين إلى ماض جميل بداية لغد أجمل فالصراع /والمخفر / والتحقيق / والتعذيب / ماهي إلا أساليب تجعل سلطة الجسد تنمحي بجعل للألم هسيسا تجعل تساقط الأعضاء استمرارية للجمال لروح حالمة أقوى حتى من الدهر فكل من سيشاهد هذه الملحمة ( ملحمة الاحتراق ) أكيد سيحس أن شيئا تغير في هذا الكون الذي كان يعرفه ، أن خسوف الارض صار ممكنا لتشع أنوار الانسان حظنا أنكم في مسرحية أبجدية الاحتراق تشتغلون على مكونات متعددة (قصة مسرح شعر ) كما اعتمدتم عمل اكثر من خمسين عملا لمبدعين ومبدعات مغاربة وعرب وأجانب من مختلف الأجيال فردريكو كرسيا لوركا / ميزوترسون زاه/ ناظم حكمت / فرنادو بيسو ../ نزار قباني / السياب / ثورية ابو عفش / م الخمار الكنوني / المجاطي / عبد الله راجع / كريم حوماري / وداد بنموسى ../ يوسف إدريس / سامح القاسم / احمد الزيادي / سميرة الميداوي ,,حامد الزبيدي / مصطفى البلعيشي …فهل هناك رهان لفتح بوابة العالمية انطلاقا من المحلية ؟ أعتقد أن مسرحية " أبجدية الاحتراق" هو عنوان بل بوابة للدخول إلى عالم المحترفين بلهيب الكلمة والعنوان من أهم وسائل تفكيك النص لكونه الاحالة الأولى على بنيته الداخلية ليكون دليلا للمتلقي في اقتفاء أثر المعنى المطلق في فضاء النص فمكونات هذا النص المسرحي متباينة لكن منفتحة على بعضها حتى ليخيل للمتلقي أنه امام لوحات تشكيلية تتبارى في عرض مفاتن مكوناتها البصرية فذات الشاعر في تشظيها تسبح في عوالم متعددة تكشف عن قلقها الوجودي إزاء عالم غير مطمئن . عالم يراه من خلال البلادة التي تعملق فيها ادنس لتشويه البراءة وتسلط فيها القبح . أما لغة هذا النص المسرحي فهي لغة شعرية .
ـ (قاطعته ) لماذا هذا التعامل المكثف مع الشعر ؟ لأن زمن الشعر خط مستقيم صاعد دائما ومفتوح للتجارب ، إنه كاللهب وأروع ما في اللهب اشتداده إلى الأعلى ، أتعامل مع الشعر هذا اختيار صعب ، ولكني أرتاح في التعامل معه ،هناك مثلا مخرج اسمه أندري تاركوفسكي " صنع فيلمه نوستالجيا " من قصائد فقط وهناك روايات شعرية مثل أعمال سليم بركات وعبده وزان بهذا سنعيد إن شاء الله الحرارة إلى خط الاتصال بين المتلقي والشاعر ونحقق حركة متصلة ومتواصلة وتواصلية بينهما . يبدوا أن الاشتغال مع فرقة جمعية اللقاء المسرحي يسير على خطين متوازيين فئة ( الطفل) وفئة الكبار ( الشباب) هل يمكنكم أن تحدثونا ولو بإيجاز عن أهم إنجازاتكم مع الجمعية في هذا المضمار ؟ لقد حصدت الجمعية العديد من الجوائز ما يجعلها في مصاف الفرق الكبرى وطنيا لم لا عربيا فمنذ سنة 1994 ونحن نحصد جوائز متعددة من خلال مشاركات سواء محليا أو جهويا أو وطنيا أو عربيا سواء في الكتابة أو الاخراج أو الانسجام الجماعي أو أحسن عمل متكامل أو أحسن ممثل أو ممثلة ..فقد شاركنا في كل من البيضاء وطنجة وتطوان وأكادير وخريبكة و الناظور ، وقادس ( اسبانيا) و(حمام سوسة)بتونس ، كما قمنا بالتنسيق مع جامعة اشبيلية والذي توج بتنظيم سنة 2010 الأيام التربوية للجامعة بأصيلا ، كما تم تأسيس المركز العربي الأوروبي لمسرح الطفل والشباب بأصيلا وتوجد تنسيقيته العربية بدبي بينما التنسيقية الأوروبية بمرسيليا ( فرنسا) والقر الأوربي بمدريد ، وقد تم عقد ندوة أولى في 30 أبريل سنة 2010 بمسرح محمد الخامس بالرباط ـ ماهو السؤال الذي كنتم تودون أن أطرحه عليكم ؟
-
|
|
|
|
|
|
|