Google

   
 
  المسرح العربي و التغيير ...
المسرح العربي و التغيير..
  • "مسرح بقيم مغايرة.."
    عبدالإلاه فؤاد
    أصيلة/المغرب

    يعرف الوطن العربي تطورات اجتماعية كبرى مع بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، نتيجة للثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم، والمتمثلة في وسائط الاتصال الجماهيري الواسع والمنفلت من الرقابة والسيطرة المؤسساتية، حيث أصبحت الشبكة العنكبوتية أداة للحراك الاجتماعي والثقافي والفني، وبما أن المسرح فعل اجتماعي ،إبداعي، وأداة اتصال جماهيرية تسهم في كل تغيير اجتماعي، فإن المسرح العربي قد أصبح اليوم أمام تحد جديد يتمثل في إعادة صياغة أسئلته المتعلقة بواقع التغيير الذي تعيشه الخريطة العربية، والذي يأتي نتيجة للديناميكية الجديدة التي فرضها الشباب العربي، وحتمية الانتقال بوعي إلى أشكال جديدة لتداول السلطة. وباعتبار الفعل الثقافي سلطة مغايرة تمتلك أداة النقد والتوجيه، فإن الفاعل المسرحي هو أحد عناصر التجديد في كل مكونات الفعل الاجتماعي بصفة عامة، والفعل الإبداعي المسرحي بصفة خاصة، وقد ظهرت مؤشرات عدة على تغيير المشهد المسرحي العربي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، لكنه تغيير جزئي فقط بدأ في مجموعة من الأعمال المسرحية التي قدمها الشباب في كل بلد عربي، وهي أعمال قوبلت أحياناً بالتشجيع والتحفيز، وأحياناً أخرى بالرفض والإقصاء، لكن هذا لا ينفي أن الشباب قد بدأ يطرح أشكالاً مسرحية جديدة تخرج عن التصنيفات النظرية التي سادت عند الأجيال السابقة والحالية من المسرحيين العرب، فظهرت تجربة المسرح الرقمي ومسرح المواقع الأثرية ومسرح الوسائط الإلكترونية وغيرها، وهذه التجارب الجديدة تطرح قيماً جديدة لم تكن حاضرة خلال القرن العشرين، فقيم المشاركة ومقاربة النوع وحقوق الإنسان والتسامح وحوار الثقافات والديانات وغيرها، فرضت أشكالاً جديدة في التفاعل الإيجابي أو السلبي مع القضايا العامة وانعكاساتها، في عروض مسرحية متميزة في أكثر من بلد عربي .مؤكدة بذلك أن المسرح العربي اليوم، يعيش مفترق طرق بين القيم الماضية والقيم الجديدة، ولا شك أن الشباب المسرحي هو الأقدر على استنباط القيم الجديدة التي يراهن عليها في بناء مجتمع الغد، وهو المعني بالإجابة عن تصورات المستقبل، باعتبار أن السؤال المحوري للمسرح العربي اليوم هو “أي قيم اجتماعية، ثقافية وإبداعية نريد أن نرسخها في مجتمعاتنا العربية التي تعيش مخاضاً كبيراً، وربما يكون الأكبر في تاريخنا العربي الحديث؟

    I – المسرح والتواصل :
    كثيرا ما رددنا عبارة "المسرح أداة تواصل"، و نقصد بها الأثر اللغوي والعاطفي الذي يتركه العمل المسرحي في نفس المتفرج، لمدة تطول أو تقصر، وفي أحسن الحالات، تصبح ذكرى للحظة عايشها المتفرج أثناء مشاهدة العرض المسرحي. 
    لم تسطع أية مؤسسة جامعية عربية ، أن تقوم بدراسة ميدانية لهذا الأثر التواصلي للمسرح ، اجتماعيا ومعرفيا . بمعنى، أننا نتحدث عن البعد التواصلي للمسرح ، دون امتلاكنا لأدوات وتقنيات القياس العلمي ، باستثناء الجهاز المفاهيمي النظري الذي استقيناه من الغرب، الذي أبدع الفعل المسرحي وطور أدواته ومجالاته المتعددة ، والتي يدخل التواصل في إطارها ..
    لقد أثبتت الدراسات الميدانية أن الوضعية التواصلية تكون ناجحة في ثلاث عناصر ، وبنسب متفاوتة.. 
    1- الكلام : والذي يتشكل من الجمل الحوارية التي نتبادلها في وضعية معينة .
    2- الصوت والإيقاع : الناتج عن الإلقاء ومتغيراته المرتبطة بالعواطف . 
    3- لغة الجسد : التي تصاحب العملية التواصلية في إبعادها الواعية واللاواعية . 
    هذا التقسيم يدفعنا إلى التساؤل عن العنصر المؤثر في العملية التواصلية، خاصة وأن أي تعريف تقليدي للمسرح إلا ويتضمن هذه العناصر الثلاثة ؟ وبإلقائنا نظرة على النسب المئوية التي صرح بها الباحثون لكل عنصر من هذه العناصر، نجد أن لغة الجسد تحظى بالنسبة الأعلى: 56% ، متبوعة بالصوت والإيقاع: 37% ، وأخيرا، الكلام: 7 % . 
    عندما ظهرت هذه الدراسات في أواخر السبعينيات ، أعادت المؤسسات الصناعية والمقاولاتية اكتشاف الفعل المسرحي، باعتباره الفعل الإبداعي الوحيد الذي يشتمل على كل العناصر والمقومات التواصلية التي أشارت إليها هذه الدراسات. وبدأت بدعوة الفاعلين المسرحيين إلى مقراتها ، معاملها، مصانعها وإداراتها، للمساهمة في حل المشاكل التواصلية التي تواجهها الأقسام المسؤولة عن التواصل والموارد البشرية . الشيء الذي شجع على ظهور فرق مسرحية خاصة بهذه القضايا والمجالات في كل من فرنسا ، بريطانيا ، كندا ، والولايات المتحدة الأمريكية . حيث تولدت حاجات وأهداف جديدة للفعل المسرحي، الذي أصبح عاملا محفزا على الإنتاج والربح المادي، بالنسبة للمقاولات. في الوقت الذي أصبح الهدف بالنسبة للفاعلين المسرحيين ، هو المساهمة في حل المشكلات وتجاوز الصعوبات ، عبر وضعيات إبداعية جديدة . فتغير بعدي الزمن والفضاء بالنسبة للعرض المسرحي ، حيث لم تعد قاعة العرض ( العلبة الايطالية ) ، ولا زمنه ( توقيت العرض/السهرة المسائية ) ضروريين لتقديم الفرجة المسرحية . لأن هذا المفهوم قد تغير أصلا ، ولم يعد المنتج المسرحي فرجة ، وإنما مساهمة في حل مشكلات ووضعيات مرتبطة بصيرورة إنتاجية معينة .. والمثير في هذه العملية هو كون النتائج أو اثر المساهمة المسرحية أصبحا قابلين للقياس ، اعتمادا على مؤشر ارتفاع أو انخفاض الإنتاج. والمدهش أن الشركات التي لجأت إلى الحلول المسرحية ، استمرت في التعاون مع الفرق المسرحية لحد الآن ، وكمثال على ذلك نذكر : " فرانس تيليكوم " الشركة الوطنية للسكك الحديدية الفرنسية ، " بويك تيليكوم " ،" JEFF AND BRIDGE"... الخ.
    II- المسرح والثورة التكنولوجية و المعرفية : 
    قد تكون سنة 2011 ، سنة تأكيد للأثر التكنولوجي بامتياز . إن" الربيع العربي " قد أعطى الدليل القاطع على أن "تكنولوجيا التواصل"، هي السلطة الأولى، الآن، عالميا. حيث لم تعد الأنظمة السياسية التقليدية قادرة على الوقوف في وجه المنتديات الاجتماعية : كالفايسبوك ، تويتر ، يوتوب ، وغيرها . لقد نجحت هذه الوسائط ، عربيا ، فيما فشل فيه المسرح العربي ، الذي فقد بريق الحضور الدائم مع الجمهور . مع العلم أن المسرح يبقى دائما فعلا اجتماعيا مؤثرا في البنيات الاجتماعية السائدة ، ويملك القدرة على خلخلتها وتغييرها.
    لكن المسرح العربي ، تعرض لعدة نكسات، بسبب سيادة أجهزة إدارية وسلطوية فاسدة، جاهلة ، غير مؤهلة ، ولا تحمل أي تصور استراتيجي للتنمية البشرية في وطنها . ويعتبر غياب المؤسسات الداعمة والمنتجة للمسرح ، في جل ربوع الوطن العربي ، مؤشرا على ذلك . صحيح أن المسرحيين الشباب في العالم العربي، يواكبون مستجدات الساحة العالمية، ويقدمون تجارب محدودة في بلدانهم، لكن من المؤسف أن نجد هذه التجارب مدعومة من طرف المؤسسات الثقافية الغربية المتواجدة ببلداننا. فتجربة " المسرح الرقمي " مثلا ، في المغرب ، يشرف عليها " المركز الثقافي الفرنسي " ، في حين أن تجربة " مسرح المواقع الأثرية" مدعومة من قبل "معهد غوته " الألماني ، بالاشتراك مع مؤسسات ثقافية هولندية . بل وحتى المواضيع والقيم الجديدة التي يتم التركيز عليها عربيا ، كمقاربة النوع ، وحقوق الإنسان ،والمشاركة ، والحكامة الجيدة ، وغيرها من المواضيع المرتبطة بالتنمية البشرية ، نجد أنها تدخل ضمن اهتمامات وتمويل " البنك الدولي "، " الاتحاد الأوروبي "،" الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "،"وكالة التعاون الاسباني "، وغيرها من المؤسسات والمنظمات الدولية . هذا الوضع الغريب والمتناقض يدفعنا إلى السؤال: أين هي المؤسسات الثقافية الوطنية ؟ لماذا لم تستطع بلورة مشاريع ثقافية قادرة على تشجيع الفاعلين المسرحيين على الانخراط في مشروع التنمية البشرية، الذي يعتبر المسرح أحد أهم أدواته ؟ ولماذا لم يستطع المسرحيون العرب النجاح في تحفيز مجتمعاتهم على العودة للاهتمام بالمسرح ؟ إذ على الرغم من الجهود المبذولة من طرف بعض الهيئات أو مؤسسات الدعم الثقافي العربية ، والتي أعطت نوعا من الدينامكية على مستوى إنتاج الأعمال والعروض المسرحية ، إلا أنه لم يسجل أي بروز لمشروع مسرحي عربي ، أو اتجاه نظري/ تطبيقي في العالم العربي... لقد استطاع المخرجون المسرحيون العرب الاستفادة من الثورة التكنولوجية وتوظيف تقنياتها وأدواتها في الأعمال المسرحية ( أفلام ، فيديو ، صور ، سينما ، ومعدات الصوت المتطورة ... ) ، ولكنه توظيف لم يستطع إفراز مشروع تجديدي داخل المسرح العربي ، الذي بقي أسير أكذوبة " أزمة النص " ...
    III - المسرح ومنظومة القيم : 
    لقد استطاع الإعلام وتقنياته أن يجعل العالم " قرية صغيرة "، مضيقا بذلك جغرافية الأرض ، وموسعا لإدراك الإنسان . وبذلك تفاعلت القيم الكونية مع القيم المحلية ، وتغيرت خارطة " المنظومة القيمية" بصفة عامة. ومعها تغيرت نظرة الإنسان لقيم كان يحتقرها سابقا، وأضحى يمجدها حاليا . لقد أصبح " الذاتي" أكثر أهمية من " الجماعي " ، حيث جعل " مسرح الهستيريا الأنطولوجي" ، الذي أسسه المخرج الأمريكي " ريتشارد فورمان " ، عملية التفكير موضوعا لأعماله ، جاعلا من الممثلين فقط أدوات لإيصال الأفكار الواردة عبر مشاهد الصور المركبة والمعقدة التي تؤدي إلى نوع من الاستغراق الذهني المجرد . حيث أصبح الهدف من العرض هو متابعة حالة التشظي التي يعيشها الإنسان المعاصر واستلابه العميق الناتج عن غزو الصور لوجوده .
    لقد أصبحت مفاهيم: " النمو الشخصي " ، " البرمجة الذاتية " ، "الفاعلية التواصلية"، "منظومة حقوق الإنسان" ، "التدبير التشاركي" ، "التغيير" ، "حوار الثقافات والأديان" ، "الديمقراطية" ، "الحكامة الجيدةّ" وغيرها من المفاهيم جزءا من القاموس التداولي العربي ، واحتلت مكانا ضمن عناصر منظومة القيم الجديدة ، وعززت الوعي الذاتي للفرد . وأفرزت مجالات معرفية جديدة تهدف إلى تطوير إمكانيات وانجازات الفرد داخل المجتمع . ووظفت هذه المجالات المعرفية الحديثة أسس المسرح وأدواته في بلورة برامجها ودوراتها التكوينية، حيث جعلت " البرمجة العصبية اللغوية "، الحكاية والاستعارة أداة لعلاج الأزمات والعقد النفسية التي يعاني منها المستفيدون من خدماتها. ودخلت تمارين" استانسلافسكي" و " مايير هولد " و " اوغيستو بوال " لمحترفات التكوين في مجال " المقاولات الاجتماعية " ، ودورات التكوين المستمر للإداريين والفاعلين الاجتماعيين ، والمهتمين بالتواصل والعلاقات العامة ... 
    باختصار نجحت الأدوات والتقنيات المسرحية في الولوج إلى ميادين جديدة وأثبتت نجاعتها وفاعليتها ، في الوقت الذي فشل فيه المنتج المسرحي باعتباره بنية متكاملة ، في الحفاظ على حضوره وفاعليته .. إنها مفارقة تدعو إلى التساؤل عن الخلل في صيرورة الفعل المسرحي العربي، من الكتابة إلى العرض...

    و أخيرا، يمكن التأكيد على أن صيرورة التغيير قد انطلقت في المجتمعات العربية، وهذه المرة، في غياب المثقف/الفنان، الذي وجد نفسه مضطرا للالتحاق بالجماهير الشعبية التي نزلت إلى أرض الواقع وغيرت ما كان في إمكانها أن تغيره.. ويبقى سؤال هذا الملتقى الفكري* محافظا على راهنيته من خلال الدعوة إلى تعميق التفكير في هذه الصيغة التقريرية لأرضية السؤال الذي تقترحه "دائرة الثقافة و الإعلام بالشارقة" مع بعض التعديل: " تغير المجتمع و المسرح... فهل يتغير المسرحيون العرب؟"...
    *تمت المشاركة بهذه الورقة في "الملتقى العربي للمسرح بالشارقة" (5 ـ 6 يناير 2012)
 
جمعية اللقاء المسرحي بأصيلة
 



Create a Myspace LED Scroller

 
Mon Site Gratuit : Horloge Virtuelle pour site internet
 
 
Aujourd'hui sont déjà 70504 visiteurs (146189 hits) visiteurs



Create a Myspace LED Scroller

Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement