كانت مدينة أصيلة الواقعة على المحيط الاطلسي في الشمال الغربي من المملكة، على موعد مع مهرجان أصيلة الدولي لمسرح الأطفال الذي نظمته جمعية اللقاء المسرحي من فاتح يوليوز الى غاية العاشر منه من السنة الجارية ، و علاوة على العروض المسرحية المشاركة في المسابقة الرسمية، التي تنتمي الى بلدان مختلفة كسوريا و العراق و المغرب و سويسرا و فرنسا، شهدت قاعة العروض و الندوات على امتداد ثلاثة أيام ، مائدة مستديرة حول " البعد النفسي للعب عند الاطفال"
بمشاركة مجموعة من الباحثين والمهتمين من أوروبا و الوطن العربي .
في البداية ، تناول الكلمة الباحث المغربي عبد اللطيف كدائي الذي تساءل عن حجم إدراكنا الحقيقي لشعور الأطفال عندما نهزأ بلعبهم منبها إلى انعدام فضاءات اللعب الخاصة بالصغار في المدارس ، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمدارس الخصوصية التي تحرم الأطفال من التمتع باللعب الذي يعني بالنسبة إليهم تصريف الطاقة الزائدة ، علما أن المنازل المخصصة للسكن تشهد سيطرة الأثات و الديكورات على حساب اللعب و مستلزماته المختلفة، و لا يقف الأمر عند هذا الحد، ذلك أن المربين لا يفهمون حقيقة اهتمامات الطفل الحقيقية و حاجاته ا لملحة من اللعب و الترفيه، لأن اللعب في عمقه وسيلة لتنمية المهارات الحركية les habilités sences-motrices التي من خلالها تبرز أهمية اللعب في اكتشاف الطبيعة و مكوناتها و عوالمها الساحرة باعتبار الإنسان جزءا من هذه الطبيعة.
و من جهة أخرى يوظف اللعب في العلاج ببعض المستشفيات عن طريق السيكودراما، و قد ظهرت أهميته كتقنية علاجية تساعد على الشفاء من مجموعة من الأمراض المستعصية كالأمراض النفسية و النفسجسمية .
أما الباحش الاسباني خورخي لويس موداليس فطرح فكرة مشروع مشاركة الأطفال في التسييرالمرتبط بالمجال العام ، متسائلا في ذات الوقت ׃ لماذا هي ضرورة مشاركة الأطفال و الشباب داخل الأسرة و المدرسة و المجتمع ككل ؟ وذلك بما يساعد على انسجامهم في الحياة بشكل سليم و إكسابهم بالتالي سمات الشخصية السوية ، وتساءل مرة أخرى : كيف تبرمج مشاريع تشاركية مع الدول لخدمة الأهداف المسطرة ؟
إن مشروع التشارك، ينطلق من استغلال فضائات مرجعية متعددة من أجل الوصول الى عملية خليقة بالاهتمام، تتمثل في تجاوز التمركز حول الذات و محاورة الآخر، و التعايش معه إلى الإيمان بقيم مشتركة ، و انسجاما مع هذا الطرح ، فقد بات ملحا ادماج مردودية الطفل/ الشاب و المرأة في تحويل البنى السياسية و الثقافية للمجتمع و توزيع السلطات السياسية و الاقتصادية بين مكونات المجتمع بشكل عادل بما يخدم الاستقرار الاجتماعي ، ولاحظ المتدخل أن علاقة من نوع ما، ترتبط بين ممارسة للعب و الممارسة الديموقراطية .
ولم يفت الباحث أن يشير إلى أهمية التواصل بين الطفل و الراشد ، و طرحت مفهوم تسارع الزمن و علاقتها بالفضاءات التي تنعدم فيها و سائل اللعب ، و لأهمية هذه الفكرة ، أشار المتدخل الى سيرورة التشارك و علاقتها بتفعيل المعاهدة الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها أغلب دول العالم ، لأن فضاءات اللعب هي في حقيقتها فضاءات للحرية التي يمكن مساءلتها من طرف الأطفال و النظر اليها بعين نقدية ، لأن ذلك كان مدخلا أساسيا لتحقيق مشروع المشاركة في تسيير الشأن المحلي بمدينة اشبيلية الاسبانية و ادماجها في سيرورة التنشئة الاجتماعية ، خصوصا و أن أرباب الأسر لم يعد في استطاعتهم تأسيس فضاء للعب داخل البيوت بل لم يعد في استطاعتهم حتى استغلال أيام العطل.
و تساءلت الورقة عن الكيفية المثلى لتكييف هذه الفضاءات مع حاجيات الطفل، حيث تم التطرق الى موضوع حساس مرتبط بمشكلة العلاقات الأفقية في التربية القائمة بين الراشد و الطفل و الاكراهات التي يطرحها تدبير الفضاءات ، لكون مفهوم المحاكاة يظهر كتجل من تجليات هذا التدبير في تكييفه مع القيم الجمالية و الأخلاقية السائدة ، ما يعني أن استغلال الفضاءات الخارجية و توظيفها في العاب الطفل مهم للغاية ، بحيث لا يجب أن تكون المشاكل الاقتصادية و المحرمات القانونية عائقا أمام تطوير مشاركتنا لخدمة قضايا الطفل ، و لعل هذا ما تمت إثارته في هذه الندوة و في ندوات و لقاءات مسرحية مماثلة.
و عن مفهوم التواصل الايجابي عند الطفل و أهمية اللعب في معالجة هذه المشاكل التواصلية ، خلص الباحث مورداليس إلى أن مشكل التواصل الايجابي يكمن في تخلف بعض العقليات التي لا تدرك أهمية اللعب في النمو العقلي و الجسمي السليم للطفل.
ومن جهته تحدث الباحث التونسي شكري لطيف عن اللعب كحق من حقوق الطفل التي نصت عليها العهود الدولية ، ذلك أن هذا النشاط الإنساني حاضر في كل الثقافات و الحضارات السائدة منها و البائدة ، و اعتبر أن اللعب هو أول مساهم في التطور المعرفيLe développement cognitif و النفسيle développement psychique للطفل ، و الذي يساهم أيضا في اكتمال شخصيته عبر مراحل النمو المختلفة ، و قد أولاه الباحث جان بياجي أهمية خاصة ذلك أنه من الوسائل الحركية التي تساعد على شحن الذاكرة و تنشيطها، انه نظام يتم بواسطته تخزين مهارات مختلفة يستعين بها الطفل في حل المشاكل التي تعترضه و الوضعيات التي تصادفه.
إن غياب اللعب في محيط الطفل يؤثر ولا شك في نموه السليم ، خصوصا أن اللعب هو أصل الفنون ، و حسب الباحث ينقسم اللعب الى الأقسام التالية:
-
Le Jeu spontané اللعب العفوي
-
Le Jeu Passif اللعب السلبي
-
Le Jeu Institutionnel اللعب المؤسساتي
-
Le Jeu Dramatique اللعب الدرامي
خصوصا أن اللعب ظاهرة انسانية ينخرط فيها الجميع و ليس فرديا ، و يتحدد عبر عدة ابعاد منها الخطاب ، الفضاء – الزمن – الجدل – الممثل و تفاعله مع الآخر – استغلال الجسد و توظيف الموسيقى و الاضاءة و الإيقاعات و حضور الخيال.
و لاحظ الباحث في ورقته أن اللعب وسيلة لتحقيق السعادة لدى الطفل ، فهو حق و ضرورة و ينبغي توفر تشريعات قانونية تحمي هذا الحق ، و من جهة أخرى فان اللعب يختلف حسب الجنس: ذكور و إناث ، و لمح الى دور العوامل الاقتصادية و الاجتماعية من فقر و بطالة التي تؤثر على استمتاع الطفل باللعب و تحرمه من هذا الحق في كثير من مناطق العالم المختلفة ، فملايين الأطفال يموتون في افريقيا بالأمراض و الحروب ، و يضطر آخرون إلى العمل ، و يحدث ذلك أيضا في الهند و البرازيل و مناطق أخرى من العالم ، و ركز على فكرة مفادها ان اللعب لايمارس أبدا في غياب علاقة متوازنة بين نظام اقتصادي فعال يوفر الرفاهية للجميع و ارادة واعية بأهميته.
ان اللعب كدينامية فردية أولا و اجتماعية ثانيا مدخل للنظر اليه باعتباره أمل الفن منها الرسم و الحكاية و التعبير الجسدي ، ليس هذا فحسب فالأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية و عصبية بامكان اللعب معالجتهم أو تخفيف معاناتهم على الأقل ، فالجسد ، جسد الطفل ، يتوفر في حقيقته على ميكانزمات متعددة للاشتغال ، ثم إن الجسد من جهة أخرى حسب رأي نفس الباحث يعتبر سجنا للرغبات و الأحاسيس و الطاقات ينبغي تحريرها, و التعبير عنها ، و من ثم يبقى السؤال ملحا: ماذا ننتظر من الطفل بصفة عامة في علاقته باللعب؟ و تمت الإشارة - بارتباط مع السؤال السابق – الى دور التقنيات المسرحية في بلورة أهداف محددة للعب الذي يعد الطفل بمطلق الحرية.
بالنسبة للطفل من أجل أن يحظى اللعب ببعد إبداعيle jeu creative صرف يجعل من اكتشاف الذات و المحيط أهم أولوياته بحيث يحظى البعد الزمنيla dimension temporelle بنفس أهمية الابعاد الأخرى.
و تطرق الباحث الفرنسي ميشيل فوكو إلى المراهقة و عوالم اللا وعي التي تعتمل فيها، و خلص الى أن المراهقين ، ينتشلون الأطفال من اطارهم العمري و يدمجونهم في عالمهم عن طريق اللعب و تبادل اّلأفكار و يخرقون بالتالي قوانين الطفولة المبكرة ، ولاحظ أن اللعب كنشاط عند الأطفال يعرف نهايته مع بداية عملية التمدرس ، وغالبا ما يكون ذلك في سن السابعة ، كما أشار إلى المعيقات التي تحد من ممارسة اللعب وانحصار أماكن هذه الممارسة بين البنايات ، سواء في الأحياء السكنية أو في المِؤسسات التعليمية ، وقد طالب الباحث بإيجاد أماكن فسيحة ومفتوحة حتى يجد الأطفال توازنهم ، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بمراكز الأنشطة الصيفية ، خصوصا مراكز الاصطياف ، بحيث يجب برمجة أنشطة تحقق للأطفال متعة اللعب كاملة بوساطة ألعاب تربوية موجهة بدقة وعناية ، كي توائم الأنشطة المقترحة أفق انتظارات المرحلة العمرية الخاصة بالطفل ومتطلباتها النفسية والجسمية مع اقتراح ألعاب جديدة ومفيدة .
وفي ورقة أخرى ، اعتبرت الدكتورة دولوريس ليمون ، الباحثة في البيداغوجيا البيئية بجامعة اشبيلية ، أن الاهتمام بالطفل يدخل في صميم اعطاء الحياة جودة كبرى ، لأن الاهتمام بالأطفال في لعبهم هو اهتمام بمواطني الغد ، و لاحظت بأسف ، أن المدرسين في المدارس المغربية يعتبرون أن اللعب يتم فقط خارج الأقسام ، علما أنه يمكن ادراج ألعاب داخل الحجرات الدراسية وتكون مفيدة نفسيا و حركيا، خصوصا أن المكان ، مكان اللعب ، هو أداة لتوزيع السلط بين الأطفال ، الذكور و الاناث منهم ، غير أن مكان اللعب يخضع في جل الأحوال لمراقبة الكبار الذين لا يخفون قلقهم من ألعاب الأطفال و يمارسون في حقها وصاية من نوع ما ، و لا ينتبهون الى أن الطفل أثناء اللعب ، يمارس هو الاخر تقديره الذاتي.
و أشارت الباحثة إلى أنه ثمة عوامل سياسية و اجتماعية تتدخل في ممارسة الطفل حقه في اللعب و تحد أو تشجع هذا الاهتمام ، معتبرا أن اهتمام الآباء بلعب أبنائهم ينمي تقديرهم الذاتي لأنفسهم لأن تقنين اللعب هو في جوهره ، هو حرمان من القدرة الابداعية للطفل ويدخل في هذا الاطار مراقبة اللعب من طرف الكبار و توجيهه في أحايين كثيرة ، فالطفل يحتاج الى الشعور بأنه محبوب و مرغوب فيه و يرى في اللعب وسيلة من الوسائل التي تجعله يحقق ذاته وبناءا على هذا الرأي لا يجب على الكبار أن يقلقوا من ألعاب الصغار خصوصا أن اللعب هو الفضاء الحقيقي للطفل.
و لم يفت الباحث أن يشير الى دور السيكودراما في المجتمع ، وهي التي تتدخل عندما تعجز البنية الاجتماعية لايجاد حلول لبعض المشاكل المستجدة في الحياة اليومية للطفل ، و لاحظ بخصوص هذه النقطة ، أن للعب دور تواصلي خطير مرتبط بالأهداف المسطرة من قبل ، غير أن حواجز فضائية تحد من فعاليته ، و من ضمنها الفضاء الفيزيقي و الاكراهات التي يطرحها ، و من أمثلة ذلك ، مشكلة الساحات ، حيث تنعدم أمكنة خاصة للاناث لممارسة ألعابهم بما أن الذكور يمارسون كرة القدم و ما ينتج عن ذلك من صراعات بين الذكور و الإناث ، و ارتباطا بالتعليم ، تحدث الباحث عن مشكلة المثيرات التي تحفز على التعلم التي طرحتها المدرسة السلوكية في علوم التربية ، فثمة وضعيات تعليمية لن تجد لها حلا الا باللعب.
أما الأستاذة فاطمة محيي الدين ، الباحثة بكلية علوم التربية بالرباط ، فتحدثت عن التجربة الميدانية
التي أشرفت عليها في مختبر للأطفال ذوي للاحتياجات النفسية الخاصة ، إذ تم التركيز على اللعب كوسيلة علاجية للحالات التي تعاني من الانطواء على النفس l autisme حيث إنها ـ وعلى مدى تسعة أشهر ـ جعلت اللعب أداة لاسترجاع الرغبة في الحياة وغزو الفضاءات الخارجية بالنسبة للأطفال المرضى ، و قد خلصت الباحثة إلى أن اللعب آلية أساس من آليات النمو النفسي الطبيعي عند الطفل إضافة إلى أنه وسيلة هامة لعلاج حالات مرضية نفسية خاصة باعتباره عنصر تطهير بالنسبة للصغار ، إذ يمكن الأطفال من إخراج نزعاتهم و ميولاتهم العنيفة التي تجعلهم يعودون
إلى حالة الهدوء والاسترخاء التي تمكنهم من تقبل العلاج .
وتحدث الباحث العراقي عبدو زايد عن المشروع الذي تقدمت به جمعية الفنون البصرية المعاصرة ببغداد في بحر هذه السنة إلى المدارس العمومية ببغداد ، ويتعلق بإعادة تبني مادة التربية الفنية بعد غيابها مدة عشر سنوات عن المقررات الدراسية العامة ، وفي نفس السياق ، قامت الجمعية بتجربة شارك فيها أزيد من ثمانية آلاف طفل عراقي ، حيث أدت هذه التجربة إلى نتائج أبهرت الجميع ،
وقد حضرت أيقونات ورموز الحرب والدمار في مجمل اللوحات التي أنجزها الصغار كما سيطر اللون الأحمر كأداة تعبيرية على كل المنتجات الفنية ، وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه اللوحات
تم عرضها في اليوم العراقي الذي تضمنته فعاليات الدورة الثانية للمهرجان و الذي حمل بدوره اسم دورة العراق.
من أصيلة : صخر المهيف.